المسرح والحداثة

تقديم
يحاول هذا الكتاب أن يرصد بعض معالم الحداثة في المسرح، كما عبرت عن نفسها في الغرب من خلال الانخراط في عوالم الصورة وتكنولوجيا الإعلام الحديثة، وكما رسمت بعض مساراتها أنماط من الكتابة والممارسة معا في المسرح العربي والمغربي.
ففي الوقت الذي نجد فيه أن المسرح الغربي قد دخل دائرة التفاعل مع إيقاع العصر الجديد من خلال استثمار ما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من إمكانات تعبيرية ومن طرق جديدة في التواصل بين الناس داخل عالم تحول إلى قرية تجانست فيها الأذواق والنزوعات وتوحدت الاهتمامات وتنمطت الأفكار والخيالات، هذا التفاعل الذي خلق للمسرح وضعا جديدا طال أشكال إنتاجه وتلقيه على حد سواء؛ نجد أن مسرحنا العربي والمغربي – بالنظر إلى الفجوة الحضارية بين العرب والغرب – ما يزال يحاول تلمس بعض علامات الطريق نحو الحداثة من خلال الاشتغال في دائرة الكتابة المسرحية وما تتيحه من إمكانات الاشتغال على مستويات التشخيص الأدبي والتخييل والجماليات، وذلك بغاية تمثل بعض خصائص الدراما الحديثة على الطريقة الغربية ومحاولة استلهامها من جهة، وبهدف ابتكار أشكال وأنماط تستحضر روح الثقافة العربية وتراثها الأدبي الفكري من جهة أخرى.
لا يهمنا هنا أن نصدر أحكام قيمة إزاء هذه التجارب في ضوء هذا التفاوت الحضاري، لكن لا بأس أن نسجل، مع ذلك، أن المسرح الغربي الذي فتح آفاقا مغايرة بانفتاحه على العوالم الافتراضية، لم يتخل، بالضرورة، عن ذاكرته الحية. فما تزال أشكال الكتابة وأنماط الفرجة المسرحية حاضرة بقوة في البلدان الغربية، والمسرح يقرأ ويشاهد بنفس النهم الذي كان، لأن الغرب استطاع أن يبلور تقاليد راسخة تضمن للمسرح وضعه الطبيعي حتى في ظل الخطر الذي يتهدده كثقافة من جراء سطوة تكنولوجيا الإعلام الحديث.
وبالمقابل، فالمسرح العربي والمغربي، ما يزال يعيش نوعا من المد والجزر في علاقته بذاته وبالآخر أيضا الذي هو الغرب. وهي وضعية تجعل من الصعب الوقوف على توجه راسخ فيه، إما نحو التقليد أو نحو الحداثة. ونعتقد أن ما تعيشه الإبداعات النصية والتجارب المسرحية التي نقف عندها، في هذا الكتاب، يزكي هذا التأرجح، الذي يعد في نهاية المطاف، جزءا من الطابع العام الذي يميز الثقافة العربية المعاصرة.